لا ترغب الولايات المتحدة في ترك قطاع النفط تحت رحمة روسيا وذراعها المسلحة فاغنر، وهذا ما يفسر استثمارها في مناطق تحظى بها الأخيرة بنفوذ قوي.
فقد استقبلت مديرة إدارة شمال إفريقيا في وزارة الخارجية الأمريكية فيكتوريا تيلور، رئيس مؤسسة النفط الليبية فرحات بن قدارة، في مارس/آذار الماضي، بواشنطن.
واستغل بن قدارة، اللقاء لدعوة الشركات الأمريكية إلى العمل في قطاع النفط والغاز الليبي. مشيدا بدعم واشنطن لمؤسسة النفط ومجلس إدارتها لتنفيذ استراتيجيتها في بناء القدرات، ورفع إنتاج النفط والغاز.
وتسعى الولايات المتحدة لتشجيع الدول المنتجة للنفط والغاز لزيادة إنتاجها وصادراتها إلى أوروبا لتعويض نقص إمدادات المحروقات إلى أوروبا.
فتوجه الاتحاد الأوروبي للتخلي عن المشتقات النفطية الروسية بسبب الحرب في أوكرانيا يدفع أعضاءه للبحث عن بدائل، وتمثل ليبيا أحد هذه الخيارات بالنظر إلى امتلاكها أكبر احتياطي مؤكد من النفط في إفريقيا وقربها الجغرافي من السواحل الأوروبية، ناهيك عن احتياطاتها الهامة من الغاز الطبيعي.
ويشجع توفر الطلب على النفط في السوق الأوروبية، الشركات الأمريكية للمخاطرة في الاستثمار بقطاع النفط الليبي، الذي يشهد استقرارا نسبيا، خاصة منذ تعيين فرحات بن قدارة، على رأس مؤسسة النفط الليبية.
ويحظى ابن قدارة بدعم طرفي الصراع في البلاد، وكذلك الإدارة الأمريكية، ما ساعد في رفع إنتاج البلاد إلى نحو 1.1 مليون برميل يوميا كمتوسط، ويطمح لرفعه إلى مليوني برميل يوميا.
ـ مصفاة الجنوب
وقعت شركة زلاف إحدى شركات مؤسسة النفط الليبية، في مارس/ آذار المنصرم، عقدًا مع شركة هانيويل، لتنفيذ أعمال هندسية في مشروع “مصفاة الجنوب”، بتكلفة تتراوح بين 500 و600 مليون دولار.
والمشروع سينفذ على مرحلتين، حيث سيتم تكرير 30 ألف برميل يوميا من النفط الخام، لإنتاج غاز الطهي، ووقود الطائرات، ومنتجات أخرى بما في ذلك 1.4 مليون لتر من البنزين، و1.1 مليون لتر من الديزل يوميا.
وتقع مصفاة الجنوب في مدينة أوباري، في الجنوب الغربي الليبي، والتي تقطنها قبائل الطوارق، وتخضع لسيطرة قوات الشرق بقيادة خليفة حفتر، ويوجد بالقرب منها حقلا الشرارة والفيل النفطيين.
وتملك فاغنر بعض النفوذ في المنطقة، ولها تحالفات معقدة مع جماعات تشادية متمردة في الجنوب الليبي، وكذلك مع مجموعات من قبائل التبو ذات الأصول التشادية، لكن علاقتها غير ودية مع قوات علي كنة (طوارق)، الموالية لحكومة الوحدة في طرابلس.
ومن شأن مصفاة النفط أن تحل أزمة نقص وقود السيارات في منطقة الجنوب، المعزولة والبعيدة عن طرابلس ومدن الشمال بمئات الكيلومترات، خاصة في ظل تهريب كميات منه إلى دول الجوار.
ـ حقل الظهرة النفطي
على عكس مصفاة الجنوب يواجه مشروع تطوير حقل الظهرة النفطي بعض الجدل السياسي والإعلامي، إذ لم يتم الإعلان بعد عن التوقيع رسميا على المشروع.
ويعد الظهرة أول حقل منتج للنفط بكميات تجارية تكتشفه شركة الواحة إحدى فروع مؤسسة النفط الليبية، في آواخر الخمسينات.
وموقعه جنوب ميناء السدرة النفطي وشمال حقل زلة النفطي، جعله حلقة وصل تربط حقول الشركة الأخرى بميناء السدرة.
إلا أن حقل الظهرة تعرض للتخريب على يد تنظيم داعش الإرهابي في عام 2015، حين كان الأخير يسيطر على محافظة سرت والمناطق المجاورة لها.
وأعلنت مؤسسة النفط تشكيل لجنة “للحصول على أفضل العروض الفنية والتجارية، ومن ثم اعتمادها”، بناء على ورشة عمل عقدتها مع ممثلي شركتي هاليبرتون، و”إسناد” للخدمات النفطية، نافية أن تكون الأخيرة إماراتية، وإنما تأسست في مدينة بنغازي الليبية.
وجاء ذلك ردا على اعتراض وزارة النفط والغاز الليبية، على “تكليف” ابن قدارة، شركة “إسناد” التي قالت إنها “إماراتية” عن طريق “التعاقد المباشر” لتطوير حقل الظهرة دون عرضها على مناقصة دولية شفافة.
وقالت وزارة النفط، في بيان، إنه “من الأجدر أن تُستدعى كل الشركات المحلية والدولية، ولا تقتصر على شركة دون غيرها”.
غير أن هذا الجدل من المستبعد أن يؤثر على حصول هاليبرتون على عقد تطوير حقل الظهرة النفطي، “في ظل عزوف المقاولين الدوليين القادرين فنيًا، وانسحاب البعض منهم بسبب تراكم الديون منذ سنوات، وعدم وجود بديل محلي مناسب”، وفق مؤسسة النفط الليبية.
هذا الوضع لا يمنح ليبيا فسحة واسعة لفرض شروطها على الشركات الأجنبية خاصة الأمريكية منها التي انسحب العديد منها من أسواق شمال إفريقيا للتركيز على استخراج النفط الصخري من الولايات المتحدة.
كما أن توجه الدول الأوروبية نحو الاستغناء عن الوقود الأحفوري بما فيه النفط في آفاق 2050، والتوجه نحو الطاقات النظيفة، يجعل أمام ليبيا فترة قصيرة لاستخراج احتياطاتها النفطية الهامة (48 مليار برميل) وتصديرها قبل انهيار عصر النفط.
وهذا ما يفسر تعاقد مؤسسة النفط الليبية مع شركة “كيرني” الأمريكية لوضع استراتيجية “للاستفادة من النفط وزيادة الإنتاج”.